-
"العربية" لغة الضَّادُ.. لقاء والتقاء
الضَّادُ لقاء والتقاء ثقافي حضاري، فلَيْسَتْ أَحْرُف إلا أنها لُغة عربية فصيحة بلسان مُبين، يتحدث بها أكثر من نصف مليار و550 ألف نسمة حول العالم، منهم أكثر من 300 مليون هي لُغتهم الأم، ونحو ربع مليون هي لغتهم الثانية، والرابعة بين لغات العالم تحدثاً بعد الإنجليزية والصينية والإسبانية، فهي لغة دين الإسلام بعظمته لأكثر من ملياري مُسلم حول الكرة الأرضية وأصقاعها، ولغة القرآن الكريم، حافظاً لها الرحمن ليوم الدين، ما أكسبها قدرة على مقاومة الانحسار مع تعرض نصف لغات العالم المنطوقة مع نهاية القرن الـ21، إذ إن 40% من البشر لخطر الاندثار، وفق اليونسكو، على الرغم من أن المحتوى العربي لا يتجاوز 1% على الشبكة العنكبوتية، وفق دراسة للأمم المتحدة، بينما يشكل المحتوى الإنجليزي 58%، لكن العربية أكثر رسوخا في باب الدقة العلمية والتمحيص الفكري، كحقيقة تاريخية ثابتة تدل على موطن واحد محدد سكنته أمة قديمة تكلمت لغة واحدة.
حيثُ يرى الأستاذ عباس محمود العقاد أن الأصح والأصوب تسمية الشعوب السامية بالعربية لا العكس كما هو متداول نحلاً وزيفاً، وبربطها بمصطلح العروبية، إشارة إلى الشعوب المهاجرة من الجزيرة العربية، ويحتوي على السمات والخصائص المشتركة بين لغات هؤلاء المهاجرين، لذا نشأت العربية ونمت وتميزت فيها الأسماء والأفعال، وتكونت فيها معظم الاشتقاقات والزيادات لتضمن بسماتها استيفاء شروط البيان وسهولة النقل والانتشار، عبر علم الأصوات، حتى إن المستشرق الفرنسي إرنست رينان أظهر إعجابه ودهشته لهذه الظاهرة، فقال إن اللغة العربية ولدت مكتملة وعلى مراحل عدة، أولها: اللغة العربية نبعت في أقدم مواطن الساميين، ببلاد الحجاز واليمن، وفق ما وصل من الآثار العربية ق الأول ق م، لكن المشكلة أن مراجعة أقدم الآثار تشير إلى أن آثار الأكدية أي ما قبل ق الـ20 ، وأقدم ما وصل إلينا من الآثار العبرية في ق الـ12 قبل الميلاد، ومن الفينيقية ق الـ10، والآرامية ق الـ9. أما المرحلة الثانية: حقبة العربية البائدة كانت تسكن شمال الحجاز مع الآراميين، وبادت قبل الإسلام، غير أن العديد من الآثار والمخطوطات أثبتت أن المادة التاريخية موجودة، ويتبقى الجهد العلمي لإثباتها. ثُم أن المرحلة الثالثة: وهي حقبة العربية الباقية، (العربية الفصحى)، ونشأت في الحجاز ونجد، وانتشرت في المناطق التي عاشت فيها أخواتها السامية، ولا يعرف لها تاريخ نشأة ولا مرحلة طفولة، لتعدوا فقط مرحلة نضج واكتمال، كما الأدب الجاهلي، في ق الخامس الميلادي.. التي تتلوها المرحلة الرابعة: وعلم الأصوات ودلالات الألفاظ، التي هي مرأة تعكس صورة للحياة البرية والاغتراب والبعد عن التحضر والتمدن، أشاح عنها القرآن الكريم بنزوله بلهجة قريشية، أجمع العرب على روعة بيانه وقوة برهانه، جمعت حوله كافة الأضداد والأعراب، فأصبحت للعرب لهجة فصحى يتحدثون بها جميعهم ويلتقون عليها، ويتداولونها، فابن خلدون يرى أن الأدب العربي بعد نزول القرآن أصبح أعلى طبقة في البلاغة وأذوق من كلام الجاهلية في المنظوم والمنثور، كما أن شعر حسان بن ثابت وعمر بن أبي ربيعة والحطيئة وجرير والفرزدق ونصيب وذي الرمة والأحوص وبشار أعلى طبقة في البلاغة بكثير من شعر النابغة وعنترة وزهير وطرفة، لتأتي مرحلة الانتشار والعالمية مع الفتوحات الإسلامية في مواجهة الفارسية والسريانية والآرامية والقبطية والأمازيغية واللاتينية، بعد مئة عام لتُصبح اللغة العامة في مختلف الأقطار، لتنتهي بالمرحلة الخاتمة بالجمع والتدوين، بعد الروايات الشفاهية، حتى القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي)، حرصاً على صيانة اللغة العربية من اللحن وشيوع الخطأ والتأثر باللغات الأخرى. ووفق موقع الجزيرة نت بعنوان (اللغة العربية.. أصلها وتاريخها وعدد الناطقين بها) وجاء بها شرح نص نقله السيوطي في كتابه "الاقتراح في أصول النحو" دستور النقل والاحتجاج بألفاظ واضحة:
فقد "كانت قريش أجود العرب انتقاء للأفصح من الألفاظ، وأسهلها عند النطق، وأحسنها مسموعا وإبانة عما في النفس.
والذين عنهم نقلت اللغة العربية وبهم اقتدي، وعنهم أخذ اللسان العربي من بين قبائل العرب (قيس وتميم وأسد)، فهؤلاء هم الذين عنهم أكثر ما أخذ، وعليهم اتكل في الغريب، وفي الإعراب والتصريف، ثم هذيل وبعض كنانة وبعض الطائيين.
ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم. وبالجملة فإنه لم يؤخذ عن حضري قط.
ولا عن سكان البراري ممن كان يسكن أطراف بلادهم التي تجاور سائر الأمم الذين حولهم، فإنه لم يؤخذ لا من لخم ولا من جذام، فإنهم كانوا مجاورين لأهل مصر والقبط، ولا من قضاعة ولا من غسان ولا من إياد، فإنهم كانوا مجاورين لأهل الشام وأكثرهم نصارى يقرؤون في صلاتهم بغير العربية، ولا من تغلب ولا من النمر، فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونانية، ولا من بكر؛ لأنهم كانوا مجاورين للنبط والفرس، ولا من عبد القيس؛ لأنهم كانوا سكان البحرين مخالطين للهند والفرس، ولا من أزد عمان لمخالطتهم للهند والفرس، ولا من أهل اليمن أصلا لمخالطتهم الهند والحبشة ولولادة الحبشة فيهم، ولا من بني حنيفة وسكان اليمامة ولا من ثقيف وسكان الطائف لمخالطتهم تجار الأمم".
وقفة مع الضاد: إنها العربية قامة ومقام لغة الدِيْنٌ.. وَرَمْزُ لهُوِيَّةْ الإسلام وعظمته، شَرَّفَهَا اللهُ.. بِمضمون حَمْلِ أبلغ كلماته وأفصحها بياناً، فقد قال الصاحب بن عبّاد: "لو أدركت مصنّف كتاب (الألفاظ) لأمرت بقطع يده". فسُئل عن السبب فقال: "جمع شذور العربية الجزلة في أوراق يسيرة فأضاعها في أفواه صبيان المكاتب، ورفع عن المتأدبين تعب الدرس والحفظ الكثير والمطالعة الكثيرة الدائمة".
ليفانت - إبراهيم جلال فضلون
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!